08‏/11‏/2012

بعض الواقع وكثيرٌ من الخيال


بعض الواقع وكثيرٌ من الخَيال



في بحرٍ من الدِماء و الحُب، نحنُ نسبح عبرَ أثيرِ الأرواح التي غَذَّت دماءها تجسيد أجسادنا في عالمٍ من الماديات يستهلكُنا و يستهلكهم. كلِمات لم و لن يكون لها أي أثر في الشارع، أو بين من لا يعتقد بعالم الأرواح، هذا ما أخبرني بهِ أحد اصدقائي عندما كُنا نتحدث عن الأحداث السورية، و قال لي: "حاجتنا كلام خيالي، خلينا نرجع للواقع."؛ لم افهم عندها ما كان يقصد بالخيال أو بالواقع! فلقد كُنتُ أتكلم عن الواقع و لم اكن أتحدث عن حلمٍ ما أو خيالٍ.
أصداء الكلمة ترددت عميقاً داخلي (خيال، خيال، واقع)؛ ما الذي كان يقصده صديقي! ما الذي كان غير واقعياً في ما طرحت؟ كُنتُ على وشكِ الذهاب بعيداً عن محور الحديث الدائر، فمن عاداتي الدائمة الشرود و الاستطراد في النقاش و الخروج عن محوره الرئيسي أغلب الأحيان، لم أسمح لنفسي هذه المرة أن أفعل ذلك، ولكن من سخريات القدر – التي تزداد يوماً بعد يوم معي – أن الحديث كُله اخذ محوراً مُختلفاً من تلقاء نفسه، فأصبحَ مما يحدُث إلى أسبابِ ما يَحدُث، لم يعد يلفت انتباهي الحديث أو الكلام به، إلى أن قالَ أحدُهم: "إن كُلّ ما يَحدُث في سوريا سببهُ الفِسق والدعارة واللواطة" أعذروني على كلماتي و لكن أريدُ النقل بشفافية، هكذا تبرير اعتدتُ سماعه من فترة ليست بقصيرة، و لكن هذه المرة كانَ لهُ واقعة أكبر بسبب ذكر حادثة قد أصبحت في متناول الموبايلات قبل الألسنة. فقد قامَ أحدٌ بتصوير أحد المثليين في منطقتي و هُما يمارسان الجنس، و استخدم الأول الفيديو لِيبتَز الثاني، و هذا أمر ليس بغريب أو جديد، ولكن الجديد هنا هو أن الفيديو قد وصل إلى أيدي جماعاتٍ مُتطرفة و تم القبض على المثلي، و انتشر الفيديو أسرع من انتشار الفيديوهات على موقع "Youtube"؛ الآن هو حديث الناس و قد أصبحَ محور حديثنا لليلة، فهو وكُلّ مثلي السبب في ما يحدث من شرور على كوكب الأرض ولربما الكواكب المُجاورة.
فلرُبما أنا كُنتُ اتكلم في عالمٍ من الخيالِ سابقاً،  فأنا كُنت أتحدث في القيم الإنسانية، و هُم يريدون الحديث عن القيم المادية، وعن تجريم وإلقاء اللوم على الآخرين. فالشارع لا يهتم لما يقوله الحالمون، فالعادات والتقاليد هي ما يُسيطر على أحكامِه وردود افعاله مع أي شيء يحصل في داخله – أو كما يدعونه بأرض الواقع -؛ والويل لمن يخالِف أو يُعارِض هذا القانون والواقِع، هذا الشارع الذي بناهُ الأجداد لواقِعٍ يُناسِبُ حياتَهُم كأشخاص في ذلِكَ العَصر، هذا الشارِع الذي لم نستطِع إضفاء طابعٍ جديد عليهِ أو حتى استبدال أحجارِه، بل فضَّلنا على ذلك (الشارِع، والرَصيف، وواجِهات المباني ذاتِها)؛ والتي لم تَعُد تَتَسِع لبناتِ أفكارِنا؛ فكيفَ بِها تَتَسِع لمَن لم تُبنى من أجلِه أساساً؟!...
المِثليون الآن أصبحوا على كُل لسانٍ بعد التسريب لهذا الفيديو، وأصبحت الإهانات اللفظية والمُتابعة لهم أكبر من ذي قبل؛ ومع وجود المتطَرِفينَ دينياً أصبحت الأمور أكثر تعقيداً، فحتى بعض الموافِقين و غير المُعارضين لحقوق المِثليين من الغَيريين أصبحوا الآن صامِتين أو انقلبت آرائهم حفاظاً على حياتِهم، وسُمعتهم، ففي هكذا بيئة غير صحية للعقل البشري الآن، من قتلٍ و دِماء و قمعٍ للحُرياتِ من قبل الأطرافِ جميعها، أتساءل متى سَتَسنَحُ لنا الفُرصة بشكلٍ صحيح بدون أن يعتقد البعض بِأننا لا نأبه بالدِماء التي تُذرف على أرض الوطن بأن نُقدِم أنفُسنا، و أن نكون الإنسان الذي نطمَح أن نكون!. عندها أعود لأسرَح وأضيع، وأقول: " في بحرٍ من الدِماء و الحُب، نحنُ نسبح عبرَ أثيرِ الأرواح.....".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق