13‏/12‏/2012

شاب من كون مختلف


شابٌ مِن كونٍ مُختلفْ

نور معراوي
Nour Maarawi
sgayrights@gmail.com

جزء أول /طفولة/

مُنذُ مدة لم يَزُرني وحي الكتابة أو أن كتبت أي شيء يُقرأ أو فَكرت بشكل سَليم، فقد كُنت دائماً مشغول بِطردِ الأصوات الدخيلة والتي لا تنتمي لِعَقلي، لم أختَبِر أي شيء بِهذا الإحساس مِن قبل؛ أفكار، وخيالات، وكوابيس؛ جَميعُها يتصادم لِيُصبِحَ كياناً واحِداً داخِلَي، وأحياناً يتجَسدونَ بوجهِ طفلٍ مألوفٍ لي، لِيتكًلَمَ معي أحياناً، ويقودُني أحياناً لفعلِ أشياء لا يُمكن لي فِعلها بكامِلِ إرادتي، ولكني ما زِلتُ مسيطِراً ولو كانَ ما تبقى مِن دِماغي هُوَ العلية، فالوحوش قد احتَلت بقية الغُرَف، وحوش منِ كافِة الأشكالِ و الأحجام يتربصونَ مِن الزوايا المُظلمة مِنها والمنيرة جاهِزين للهُجوم. ما الذي حدثَ لي والذي جَعلني أخشى نفسي! لا أستطيعُ تذكر الكثير فكُل ذكرياتي تتسَكع عِندَ لحظة قد فصلت ذاتَ مرةٍ أوهامي من ابتلاعِ واقعي.
لقد كُنتُ طِفلاً، نعم، لقد كُنتُ مليئاً بالآمالِ و المواويلِ السعيدة، العالمُ كانَ مَلعبي و السَماءُ كانت صحني المُفضل لإغراق طاقتي السلبية. لقد كُنت طِفلاً هادئاً وَمُختلفاً عن الأطفال الآخرين؛ عن أخي و عن أصدقائي في المدرسة، و هذا جعَل مني وَحيداً في المرحلة الابتدائية طيلة فترة دراستي بِها؛ ما عدا فترة أتى بِها طِفل من خارج مدرستي أصبحنا بها أصدِقاء لمدة شهرٍ واحد ومن ثم كان علينا الافتِراق، نعم أستطيع تَذَّكُر هذا التفاصيل لأنهُ كان اتصالي الوحيد مع أي شخص طيلة المرحلة الابتدائية، بعدَ هذا الطعم الحلو من العلاقة الإنسانية كُل ما أذكرهُ هُوَ الإهانات و الدِماء. زُملائي عادةً ما كانوا يتنمرون علي لفظياً وفي بعض الأحيان يتطور الموقف ليتعدى اللفظ و يدخُل مرحلة إيذاء الجسد، أذكُر أنهُ في يوم من تِلك الأيام سقَطتُ طريحَ الأرض لأستيقِظَ بعدَها في مكتَبِ مُدير المدرسة مُدمَيً، ذلك الأخير الذي لم يفعل شيئاً سوى سؤالي و لومي على عدم قُدرتي على الرد عن نفسي، خرجُتُ مِن المدرسة بإجازة مرضية، لأذهبَ إلى البيت، حيثُ هُوَ بمثابة حُصنٍ أمين للأغلبية و لكن ليسَ لي، فبالنسبة لي كان كالزِنزانة و حارِسها كانَ أبي، في ذلِك اليوم هو أكملَ مهمة الصِبية، لفظياً و جسدياً، مُعتَقِداً بأنهُ و بفعلهِ هذا سيَجعَلُ مِني "رَجُلاً" و أني سأصبِح أكثرَ رَجولة، أو أن أتصرف بطريقة ذكورية – على حسب كتابه الذكوري -  أكثر مما أتصرف عليه مُسبقاً، أو أن أكون مثلَ أخي الصغير الذي كانَ ومازال يُفضله علي.
تصرُفات أبي لم تفدني بشيء بل جعلت من المُشكل أكبر حجماً، انغَلقتُ على نفسي لدرجة أني لم أعد أتفاعَل أو أتلكم مع أحد مِن عائلتي أو من أساتذتي في المدرسة. حياتي كانت كالجحيم و الطريق التي تسيرُ بِه لم يَكُن طريقاً جيداً، حيثُ أني الآن قد أنهيت المرحلة الابتدائية و دخلتُ المرحلة الاعدادية، عِندها أصبحتُ أكثر وعياً لِنفسي ولاتجاهاتي الجِنسية، في حينِها لم استطع التكلم أو أخذ النصح من أحد، لأني كُنتُ أشعر بأني بعيدٌ عن كُل ما هُو حي حولي، واعتقدتُ بأنَ ما أشعُر بِه ينتمي لي و موجود في داخلي فقط؛ كُنتُ أخبُر نفسي بأنهُ لا يوجَد أي شخص آخر على وجهِ الأرض يوجد عِندَهُ نفس الميول.
مَرَّت سنتان وكأنَهُما عشر دقائِق أمام نافِذتي الشتوية، لم يتغيَّر بِهما الكَثير، مازال بعضُ الصِبية للآن يمارِسون التنمر عليَّ، ولكن الآن أصبَحتُ أستطيعُ الرد إن لم يَكُن جسدياً فلفظياً،  عائِلتي لم تفعل شيئاً وهذا الشيء الذي لم أفهمهُ إلا لبعدِ فترة طويلة واستوعبتُ هَدَفهُ، لا أريدُ أن أكونَ درامياً هُنا، ولكن حياتي عِبارة عن مُسلسل درامي حيثُ المشاهد السيئة تَدعي نفسها على مائدة الحياة خاصتي...
كيفَ للأحداث أن تَتغيَّر ببساطة وبسهولة ضغط زر ما على جهاز تحكم؛ فَفي يومٍ أذكُر بِأنهُ كانَ ماطِراً، قَرَرتُ أن أشاهد بِه التِلفاز، كانَ عِندها يُعرض فيلم للأسف لا أستطيع ذكر اسمه، في ذلِكَ الفيلم شاهَدتُ أولَ مقطعٍ مِثلي، بِالطَبع المَشهد كانَ مقصوصاً، ولكن نظراتُهما كانت واضِحة لي – أعتقد أن المُمَثِلان كانا ماهِران – الترجمة لاحِقاً لبعض الكلمات لشخصيات أخرى كانت تَصِفُهُما كانَت "الشاذان"؛ في ذلِكَ اليوم عادَ بعضُ النور إلى حياتي، مُعتقِداً بيني و بين نفسي: "يوجَد أشخاص آخرين يَشعرونَ ويفكرونَ كما أفعل؛ ولِرُبما أكثر مما مِن المُمكن أن أتخيلَهُ مُمكِناً!." لِرُبما يضحك البعض أو يَتهمني بكوني غَبياً، لقد كُنتُ في الحقيقة غَبياً؛ في غيابِ أي مصدر لِلمعلومات من كُتِب، ومجلات، وحواسيب، وإنترنت، فكيفَ كانَ لي أو لغيري إذ كانَ مكاني أنَ يعرف أي شيء في مدينة صغيرة و بيئة عِدائية!. الكَلِمة "شاذ" أصبَحَت رمزي الأول، لم أكُن أدري حينها أني وقعتُ ضحية دعاية تضليلية لم أكن أعي وُجودها، في عام "2001" امتلكت أول جهاز حاسوب مع مودم للاتصال بالإنترنت بسرعة 56 كيلو بايت، كانتَ للإثارة في ذلك اليوم أن تَقتُلني، فقد كانَ ذلِكَ اليوم بمثابة بداية عصر جديد لي و لِمعرِفَتي، حيثُ أيضاً ماتَت طُفولتي مُفسِحةً المجال لمرحلة جديدة مليئة بالمُغامرات و الاكتشافات في البَدِء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق