‏إظهار الرسائل ذات التسميات أرض. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أرض. إظهار كافة الرسائل

03‏/04‏/2013

معرة النعمان وذكريات متمردة.


ذكريات مُتمردة

عن المعرة:
معرة النعمان مدينة ذاتُ تاريخٍ طويل، فأهميتها لا تكمن فقط في موقعها الذي يتوسط سوريا، ولكن بمناخها اللطيف، وقربها من عدة ممالك قديمة مثل (إيبلا وأفاميا)، شهدت الأرض الكثير من الحروب وعمليات التدمير وإعادة البناء على يد الآشوريين، اليونانيين، البيزنطيين، الفرس والرومان، ودفنت ودمرت سبع مرات، وكانت ثامنتها مؤخراً أثناء الحرب في سوريا.

قيل في تسميتها أن "المعرة" هو اسم كوكب في السماء، وقيل أنه المُصيبة أو الشدة، بينما يؤكد البعض الآخر أن أصل الاسم سيرياني من "معرتا"، الذي يعني المغارة لكثرة المغارات فيها، كما سُميت بالكثير من الأسماء مثل "آرا، ومار".

يوجد في المعرة الكثير من المباني التاريخية القديمة التي صمدت في وجه الحروب، أهمها متحف المعرة، والجامع الكبير، وضريح أبي العلاء المعري، الذي أصبح مركزاً ثقافياً ومكاناً لمهرجان الاحتفال بالشاعر أبي العلاء المعري.

رهاب المثلية في المدينة كبير، وينطبق على ذوي الميول "السالب" أكثر، بينما يمكن "للموجب" التفاخر والتحدث بما يقوم به اعتباراً أن تصرفات كهذه "تتلاشى مع مرور الوقت وزواج الشخص"، فهم لا يعترفون بوجود المثلية، مما أدى إلى عدم تشكيل أي مجتمع مثلي في المدينة، واضطر بعض شبابها المثليين إلى الهروب لعيش حياتهم المثلية خارج المدينة.
الذكريات المُتمردة:
اعتدت أن أسمع في القصص والحكايات عن أجمل الأماكن وفي الوقت ذاته أكثرها ظلمة، عن أناسٍ لا ترى سوى النور، وآخرين لا يروا سوى الظلام، في القصص كانت الأماكن والناس تتغير على حسب الراوي أو وقت نقل الرواية. بكل نسخ الرواية، وكل الأماكن الي سمعت بها، المنيرة والمظلمة منها، كلها مجتمعة داخل ذاكرتي في بقعة أرض، ليست بحجم ندفة ثلج على كف الأرض، وليست بحجم كف يد خيالي ما، بقعة أرض كانَ لي بها ما كان من ذكريات الطفولة السعيدة، والحزينة، وكان من ذكريات الشباب، وبعض الذكريات التي أدعو لها دائماً بالنِسيان.

أصبحت الذكريات مجرد أوراق مبعثرة على رصيف معراوي، مع كل الأحجار المتساقطة من المبنى المُجاور لذلك الرصيف. أصبحت الذكريات مجرد كلمات مع خيانة الصوت لسلام وصمت الأيام، وتساقط البشر كما تتساقط أوراق الشجر، أصبح الليل مكسواً بالخوف، والنهارُ مكسواً بالموت، عِندها أردتُ التعلق بكل ذكرى، وتلك التي كنت أصلي لها النِسيان، أصبحتُ أرجو مِنها أن تبقى حية كي لا أنسا أيَّ مكان ولا أحرق أيَّ صور. بعضُ السنين من الوحدة، وبعضُها الآخر من الحِرمان، كان الآخر يرفض التصنيف فوضع نفسهُ بين سنين الانعزال. في تلكَ الأرض الوحدة كانت عنوان لشوارع كثيرة كنتُ أمشيها عاري القدمين، أنحتُ على جدرانها أسماء أناسٍ كنتُ أتخيل صداقتهم، وآخرين أتخيل مداعبتهم. في تلكَ الأرض لا يوجد من يسمعك، ولا من يحضنك، ولا من يُقبلك، لا يُوجد حدائق أو حمّامات، كُل ما يوجد هو بعضُ التماثيل والأقنعة التي شحبت كل تفاصيلها من كُثرت الاستخدام والاستعارة، وبعض بقايا مما يُدعى إنسانية.

على الرغم من أن الضغط لا يمكن احتماله في بعض الأحيان، ولكن عندما تكون هذه الحياة هي خيارك الوحيد، تصبح كل تفاصيلها، ونزواتها، وتماثيلها، وأقنعتها أمور حلوة المذاق حتى أحياناً مرغوبة، ومع ذلك فهي الطريق الوحيدة للهروب مع واقع آخر أسوء منها. كل الخيارات التي تأخذها، تأخذك بشكل أعمق إلى داخل روحك لتبتليها بالسواد والاضمحلال. لم يكن يوجد في شوارع المعرة سوى أضواء كهربائية، وخيوطٌ تدير الناس كما لو أنهم في مسرحية، وبعض آمالٍ لي حلمتُ بها بأن أستطيع طلاء جُدران الشوارع بالأبيض وبعض الأخضر، وأن يدخُل الحُب في قواميس أهلها لما هو مختلفُ عنهم، وأن يستطيع شبابُها التخلص مما يُزرع في عقولهم، ويبدأ الرد وعنونة الأفكار بأسماء تخصهم وليسَ مُستعارة أو مكتوبة مُسبقاً، فقد اكتفى المجتمع من التلقين، وأصبح يَحتاجُ إلى نسخ جديدة غير قابلة لنسخ ذاتها على الآخر.

تم النشر في مجلة موالح المجلة السورية الأولى والوحيدة المختصة بقضايات المثلية في سوريا...

10‏/12‏/2012

ذكريات قسرية


ذكريات قسرية...
نور معراوي
Nour Maarawi


كُلما جالَستُ نفسي، استمعتُ إلى الموسيقى أو شاهدتُ فكرة ما تَخطُر على بالي، أجِدهُ بينَ مفاتيحِ البيانو، وفي كُل إطار لكل صورة، وفي داخل ذرات الأوكسجين الذي أستنشقه، كم أتمنى لو أنكَ كُنتَ هُنا... لا أريدُ العودة فقط في الذكريات، فإنها كشريط الفيديو تضمحلُ يوماً بعدَ يوم، مع إني أحتِفلُ بعيد ميلادِكَ يومياً إلا أنَّ ذِكراك ما زالت تختفي...
إني أفتقدك، كما أفتقد صوتَ الجرس عِندما تكون أنت، وصوتَ خطواتكَ و أنتَ تقترِب من بابِ غُرفتي، نعم إني أستطيع العودة إلى تلك التفاصيل، عندها تختلطُ عندي الخيالات و يُصبِحُ شبَحُكَ حقيقة لدقيقة، يَنظُرُ لي من زاوية الغُرفة حيثُ استلقي مُحاولاً النومَ لأحلُمَ بِك ومن ثُم أستيقظ لكي لا أجِدك بجانِبي، لم أعد أريدُ سماع صوتَ الهاتف، ولا صوتَ الجرس، ولا رؤية أشعة الشمس، فإنكَ أنت من علَّمتني كيفَ أحِبُ هذه الأشياء، وصحيحٌ أني وعدُتُكَ بأن لا أستسلم، ولكني أتمنى لو أنكَ معي.
لقد كُنتَ أنت من أخبروني بأنَهُ مريض، نعم لقد كُنتَ أنت من كانَ على سريرِ الموت، ولم يكُن بيدي حيلة أشاهِدُكَ و أنتَ تستلِم لخلايا جِسمك التي ثارت ضِدك، لو إني استطعتُ قتلها أو نفيها، فإني أفتقدُكَ كما تفتَقِدُ الأم وليدها، والشجرة تُربتها، لم يكُن بيدي حيلة... تعالَ وأنضم لي في الحياة، أو سآتي وأنضم لك في الموت، لأني لستُ مستعدٌ لقول الوداع فاليوم كُنت سَتُصبِح في السادسة و العشرين، وهذا الصمت يبتلِعُني وَيَقودُني إلى بابِ بيتِك حيثُ أدق وأدق و أنتظِرُ حابِساً أنفاسي لكن ما من مُجيب أو سيطرة على دموعي، فلا، لم يعُد هنالكَ شيءٌ سوى أنا و حبي لك الذي لم ولن يمت.
تعالَ واستلقِ معي فمن الصعب عدم الهلوسة بشبحك قبل وقت نومي، كي أحافِظَ على عقلي منَ الجنون و الهُروب سَمَحتُ لَهُ بالإيمان بأشياء لم أكن أفعل سابِقاً، فكم من المَرات يُمكِنُني أن أذكُرَك قبلَ أن تموتَ ذِكراك؟ أو أن أتكلَمَ معكَ قبل أن أفقدَ صوتي للصُراخ؟ أو أن أراكَ قبلَ أن يذهبَ بصري للبُكاء؟ فلمساتُك لم تعُد تهَّوِن مأساة ذاتي المُهَمشة، و الكونُ بدأ بإكمال طحنِه لمشاعري لِيستخدِمها كبارود ليحرقني بِهِ حياً، و يستخدمُ رمادي لوناً أسوداً ليصبُغَ روحي مِن حُبكَ المُحتاج داخِل كياني و صورَتي الميته.