11‏/07‏/2012

كنتُ شاذّاً، ثمّ أصبحتُ مثلياً


كنتُ شاذّاً، ثمّ أصبحتُ مثلياً:



ربيت، و أنا أبحث عن هويتي في ترجمة الأفلام. ربيت، وعيوني تلمع كلَّما رأيت كلمة “شاذ” في السطور المترجَمَة. فقد اعتمدتُ هذه الكلمة بقبحها، هويّة، و بقيت أبحث عنها. ربيِت الكلمة.
كبرت أنا، و صغرَت الكلمة. صغر انتمائي لها. فهمت أنَّ الكلمة هي الشّاذة، و ليس أنا. عندما وجدت نفسي وَسَطَ المجتمع المدنيّ، فهمت الخطأ، الخطأ في الاعتماد.
أخطأتُ حين قدَّمت نفسي لنفسي، كشاذ . أخطأت حين صدَّقّت ما قولبه الإعلام هويّة لي. لقد أخطأَت أمّي، و لا تزال تخطئ، حين اعتقدت أنَّ هذا الأمر انحرافاً و مرضاً. و أخطأ رفاقي حين اعتقدوا أنّي أخ فوفو و نونو. و أخطأ إعلامي حين لم ينصِفني، وحين زاد من تهميشي. وأخطأ قضائي حين لم يحمِني، وحين جرَّمني.  و أخطأت أنا أيضاً حين قدَّمت نفسي، لنفسي، كشاذ!
أحببت المثليّة لفظةً. كبرتُ أنا، و كبُرَت الكلمة. كبر انتمائي لها. فهمت أنّها أكثر من لفظة، أنَّها حقّ. تنبّهت إلى خطأي في الاعتماد السابق. كنت قد تربَّيت مقتنعاً، كما يقتنع كثيرون بأنَّ الشذوذ هويّتهم . لم ألمح وقتها من هم مثلي في شوارع بيروت، لم ألمحهم في عيون الناس، لم ألمحهم في صفحات كتب القراءة المدرسيّة، لم ألمحهم في قصص الأطفال، لم ألمحهم الاَّ في صورٍ متلفزة ترافقها لفظة “شاذ”، و قد ترجمها من لم يفهم المثليّة إنسانياً، فكيف له أن يفهمها لفظةً؟ لم يكن لدي أيّ خيار سوى  اعتناق “الشذوذ”!
أهدرت عمري إذاَ، ما بين الحادية عشر والسابعة عشر، باحثًا عن دعائم لهويّة زائفة. لقد بنِيتُ  شاذاً، حطَّمته يوم اكتشفت مثليَّتي. اقتنعت بالهويّة الجديدة، فهي أصحّ و أقرب إلى الواقع. غريبٌ أمري، فقد  كنت شاذاً، ثمّ أصبحت مثليّاً! ..لا أطمح اليوم  إلى المطالبة بالسنوات الستة التي قضيتها  وحيداً، كابتاً مرضاً وهميّاً. لا أطمح إلى المطالبة بالتعويض عن أيَّامٍ تستَّرتُ فيها على حقيقتي، خائفاً على عائلتي من عارٍ إجتماعيٍّ مركّبٍ و مصطنع. لا أطمح إلى المطالبة بقتل المسخ الذي اتّخذته صورة لنفسي، قد رسم ملامحها الإعلام. فالمرض غير موجود، و العار شخصيّ، و المسخ قد مات. تعويضي الوحيد اليوم هو إيماني بأنًّ تمييزهم وتهميشهم وإعلامهم وتعاليمهم وقضاءَهم لن يستطيعوا أن يعيدوني  …. “شاذاً”.
شادي الخرّاط
للذهاب إلى صفحة المقال الأصلية: الرجاء الضغط هنا...

هناك تعليقان (2):

  1. ابارك لك بمعرفة هويتك وتحرر نفسك من اوهام المجتمع وابارك لك حياتك اللتي اخترت ان تكون فيها كما انت فلا تشويه لشخصيتك ولا لهويتك من داخلك وهذا المهم فليس المهم ما انت بالنسبة لمجتمع لست انت الجاهل فيه بل هو المهم ان تفهم ذاتك وان تحيا وانت عاشق للحياة فهي جميلة وتستحق ان تعاش دون اي تشويه لها او لنا

    ردحذف
    الردود
    1. لم يكن يوجد أسعد مني إنسان عندما تحررت من القيود و كسرتها؛ حررت عقلي و قلبي و لكني وجدت نفسي وحيداً؛ أتمنى أن ينضم البقية لي؛ و شكراً أخي على تعليقك الجميل...

      حذف